حب لا رجعة فيه - الدكتورإياد قنيبى


هناك عبارات جميلةيقولها البشر لبعضهم:
• (لقد غمرتني بإحسانك. لن أنسى لك جميلك ما حييت).

• (حبي لك وصل مرحلة اللارجعة! مهما فعلتَ في المستقبل سأظل أحبك،ولن أسمح لشيء أن يزعزع محبتي لك).

• (أحس بالحياء تجاه محبتك الصادقة لي واهتمامك بي! لا أستحق منكذلك كله! لا أملك إلا أن أعدك بأن أكون وفيا لك ما حييت).


هذه العبارات تتردد في صدورنا، تنساب على
ألسنتنا، ترتسم علىوجوهنا...تجاه من يحسن إلينا المرة بعد المرة بغير دافع
من مصالح دنيوية، وإنمالأن مودته خالصة، ونفسه كريمة, وقلبه كبير
.


عندما نعيش هذه العبارات ونديرها على
أذهاننا فإننا نحب أنفسناأيضا ونحترمها! لأنه يَسُرُّنا أن نكون أوفياء،
ودودين، معترفين بالجميل، رقيقيالقلوب، مرهفي المشاعر
.


أذكر أنني في مرة من المرات تردَّدت هذه
العبارات في كياني تجاهأخي الأكبر، الذي أحسن لي طوال حياتي، وعندما وقعت
في ظرف صعب أبعدني عن عائلتي لميهدأ لأخي بال ولم يذق طعم الراحة ونذر نفسه
وسعى في كل اتجاه حتى يرفع الظلم عني.كان يتفنن في سد فراغي عند أولادي.
كان يأتي لزيارتي مثقلا بالهموم، لكنه مع ذلك كانيتمالك نفسه ويتصنع
الابتسامة ويختار العبارات ويستحضر الأخبار السارة ليحافظ علىمعنوياتي
مرتفعة
.


بعد إحدى زياراته لي وأنا بعيد عن عائلتي،
ابتسم ابتسامةالمغادرة وهو يقول لي: (دير بالك على حالك. إن شاء الله الفرج
قريب)...نظرت إليهوهو يفارقني ويذهب، وبدأَت تلك العبارات تتردد في صدري
تجاه أخي: (أحبك، لقدغمرتني بإحسانك، لن أنسى لك جميلك ما حييت، حبي لك وصل
مرحلة اللارجعة! مهما فعلتَفي المستقبل سأظل أحبك، لا أستحق منك ذلك كله!
سأكون وفيا لك ما حييت
).


شعرت بالسعادة والرضا عن النفس وأنا أفكر
في هذه العبارات...ثمفجأة، أُلقي في روعي سؤال: من الأَولى بعبارات كهذه؟
من الأَولى بعبارات كهذه؟


أليس هو.....الله سبحانه وتعالى؟

ألم يغمرنا
بإحسانه؟ألم يثبت لنا عنايته بنا وتكريمه لنا أن جعلنا مسلمين وخاطبنا
بكلامه ودلنا علىذاته وعرفنا بصفاته واكتنفنا بعطاياه في كل لحظة وأخبرنا
عن جنة أعدها لنا ودلناعلى سبيلها وتحبب إلينا بكلامه ونِعَمِه ومغفرته
لزلاتنا وفرحه بتوبتنا؟


كم مرة سألتَ الله فأعطاك؟ كم مرة وقعت في
كرب فنجاك؟ كم سَنَةًستر قبائحك عن الناس وأظهر لهم محاسنك؟ إلى قلب كم
واحد من خلقه حببك...كم مرة نجاكمن شماتة أعدائك...بل حتى البلاء...ألا
يَسُرُّك إن ارتضاك الله لجواره في داركرامته فأراد تطهيرك لتليق بهذه
المنزلة، فبدلا من التطهير بالنار ابتلاك فطيبكوطهرك؟


ألا يكفي هذا كله في أن نبقى أوفياء لله ما
حيينا؟ ألا تُشعرناهذه الرعاية والتكريم بالحياء منه سبحانه؟ هل سنبقى
كلما امتحن الله حبنا له ببلاءدنيوي يتزعزع هذا الحب ويتعكر صفو مودتنا؟!
هل سنبقى نفشل في الامتحان؟
!


متى ستقول: يا رب! غمرتني بإحسانك، لن أنسى
فضلك علي ما حييت!يا رب! مهما قدَّرت علي، ومهما ابتليتني سأبقى أحبك، بل
سيزيد حبي لك، ولن أسمحلشيء أن يعكر صفو محبتي لك
.


أخي، يا من أنعم الله عليك بالكثير في
ماضيك وحاضرك... لكنك لنتتذكر الماضي وتستشعر الحاضر إلا إن كنت وفيا
معترفا بالجميل... بعد هذا الإنعامالإلهي، إن لم تصل محبتك لله مرحلة
اللارجعة، فمتى تصل؟ وأي شيء يوصلها؟
!


جميل أن نكون أوفياء أصحاب حياء شكورين
ودودين معترفين بالإحسانوالامتنان مع البشر... لكن الأجمل والأَولى والأحق
أن نكون كذلك مع الله تعالىخالق البشر، الذي ما أحسن إلينا محسن إلا
بتقديره تعالى ولطفه وستره على عيوبناوتحبيبنا إلى خلقه
.


فهكذا كن مع الله...حب بلا رجعة.