طب الأسنان في التراث العربي ....؟

















مازال
معظم العرب بعيداً عن التواصل مع تراثه العلمي. ومن اللمحات القليلة عن
هذا التواصل، نوقِشَت في كلية طب الأسنان في الرباط أطروحة دكتوراه للباحث
سعد صقلي. وتضمنت الأطروحة أبواباً ومباحث جديدة، مثل البحث الذي تناول
«السواك» بوصفه فرشاة أسنان طبيعية مزوّدة بأملاح معدنية، ومادة مُطهّرة
لتنظيف الأسنان.


اعتمد الباحث صقلي في أطروحته على
منهج اقتباس نصوص من كتب التراث الطبي العربي وتحليلها. فاعتبر أبو بكر
محمد بن زكريا الرازي، أعظم من كتب عن طب الأسنان ومارسه عند العرب. وصنّف
القاسم الزهراوي في خانة عظماء جرّاحي الأسنان، استناداً إلى ما ورد في
كتاب الزهراوي «التصريف لمن عجز عن التأليف».




قلع الضرس وأوجاعه

في أطروحته، اعتبر الباحث صقلي
ابن سينا مرجعاً أساسياً في طب الأسنان، مُلاحظاً أن هذا الطبيب خصّص
للأسنان أبواباً مُطوّلة في كتابه «القانون في الطب»، إذ أعطى نصائح
لسلامة الأسنان منها: اجتناب المُضرّسات، وكسر الأشياء الصلبة بالأسنان،
واجتناب كل ما هو شديد البرودة أو الحرارة، وحضّ على الاعتدال في استعمال
السواك، ولفت إلى وجود أدوية (الآسى والحضض والناردين) تقاوم تآكل
الأسنان.


واستعاد الصقلي توصيف الرازي
لعملية تهيئة الضرس قبل المباشرة في اقتلاعه، عبر طليه بمُسكّن، ناقِلاً
قوله: «الوجع الذي يبقى إثر قلع السن إنما هو من قبل الحادث في العصبة
التي تأتي أصلها».


ولاحظ الصقلي أن الزهراوي تفنن في
عملية قلع الأسنان، ناقلاً عنه قوله: «ينبغي أن تعالج الضرس من وجعه بكل
حيله، ويتوانى عن قلعه. إذ ليس منه خلف، إذا قلع. وكثيراً ما يُظنّ أن
العلة في الضرس الصحيح فيقلعها، ثم لا يذهب الوجع حتى يقلع الضرس المريض».
ولفت الصقلي إلى أن هذا الوصف يعتبر أول في وصف الألم المتنقّل ومساره.


ووجد الصقلي لدى الزهراوي نصائح
تنمّ عن خبرة وتمرّس، كقوله: «إياك أن تصنع ما يصنع الجهال من الحجامين،
فينكسر الضرس وتبقى أصولها أو بعضها وأما أن تقلعه ببعض عظام الفك». كما
نقل عن الزهراوي وصفه طريقة قلع الجذور المكسورة والآلات المتعلقة بهذه
العملية.


وأشار الصقلي إلى تركيز ابن سينا
على خلع الفك ومعالجة الأسنان المهتزة من جراء ذلك، بالخياطة والرفائد
والأدوية الملحمة، لافتاً إلى اهتمام أطباء العرب بالعناية بالمريض بعد
قلع الضرس، كتعامل الزهراوي مع النزيف الذي يتبع القلع، ومعالجته إياه
بأدوية تسبب انقباض الأنسجة (ما يضغط على الأوعية الدموية، فيخفض النزيف)،
أو بحشو الموضع أو بالكيّ.

وتناول الصقلي طريقة علاج
الرازي للأسنان عبر بردها بمبرد لطيف، وحشوه الأسنان بالفوتنج المسحوق
وبالزجاج (وأحياناً الأفيون) لتسكين الأوجاع، مُشيراً إلى أن الرازي عالج
التهاب لبّ لسن بثقبه من وسطه، وأحياناً باستعمال الزرنيخ، كي يميت قلب
اللب، فيسكن الألم. وأشار الباحث صقلي إلى أن ابن سينا نبّه إلى ضرورة
التأكّد من موضع الضرّر قبل الشروع في العلاج، مُبيّناً أن أطباء العرب
عالجوا أورام اللثة بـ4 طُرُق هي الأدوية (دهن الورد والعفس والجلنار
وغيرها) والكيّ والجراحة والجرد. وبيّن الصقلي أن الزهراوي استعمل 14
نوعاً من المجارد في عملية جرد السنّ (بمعنى إزالة الرواسب الكلسيّة)، ما
زال بعضها مستخدماً إلى اليوم. وأورد الصقلي أن الزهراوي عالج تحرّك
الأسنان بواسطة شدّها بخيوطٍ من الذهب والفضة. وكذلك نقل ما أورده الرازي
عن أسنان الأطفال، خصوصاً قوله: «إذا حان للطفل نبات أسنانه، فلا تعطه
شيئاً يمضغه. ولتُدخل «الداية» إصبعها كل ساعة، ولتدلّك لِثّة الصبي دلكاً
جيداً».